في قارَّة آسيا و بالقرب من سريلانكا في المحيط الهندي تقع جزر المالديف ، تلك الجنَّةُ البحريةُ التي تتكون من قرابة الألف جزيرة صغيرة ، و على متون تلك الجزر التي تُشبه القوارب البحريَّة الصغيرة يعيش قُرابة النِّصفِ مليون مسلم.
جزر المالديف هي الدَّولة الوحيدة في العالم التي يمثل نسبة المسلمين بها (100%)، فلا يحمل الجواز المالديفي إلا المسلمون ، و على هذا ينصُّ دستور الدَّولة و قانونها و تسقطُ الجنسيِّة المالديفية عن صاحبها بمجرد الإعلان عن تغيير الدين، و لا تُعطى الجنسية لغير المسلمين مهما كان السبب.
و المالديفيون يكرهون كلَّ من يدعو إلى تشويه صورة الإسلام ، بل و يطردون كلَّ من يدعو إلى دينٍ غير دين الإسلام في بلادهم.
و من هذه المواقف الجليلة التي تدلُّ على التَّمسك بالدين و العقيدة ما قام به أولياء الأمور في إحدى المدارس حيث طالبوا الحكومة بطرد المعلِّمة النَّصرانيِّة الهنديِّة (جيثاما جورج ) وذلك لأنَّها قامت برسم صليبٍ على السَّبُّورة في و ادَّعت أنَّها كانت ترسم ( البوصلة ) و لم تقصد ذلك.
إلا أنَّ الحكومة رضخت لمطالب أولياء الأمور و قاموا بترحيل المعلِّمة من البلاد.
ليس هذا فقط ، فقد قام بعض المعلمين الهنود أيضا بالتَّحدث أمام الطُّلاب عن الديانة المسيحية في محاولة منه للدعوة التَّنصيريَّة فما كان من الحكومة إلا أن قامت بسجنه ثم ترحيله خارج المالديف.
و عندما عزم رئيس المالديف السَّابق ( محمد نشيد ) على بناء كنيسة في عاصمة المالديف خرج الشَّعب في مظاهرات و كسروا تمثال بوذا الذي كان يعبده العمال الهنود ، و تجمعوا في الشَّوارع و الميادين لمدة زادت على العشرين يوماً انتهت برحيله عن الحكم تماماً .
و لَكِنْ تَعَالَ بنا سوياً لنستمع إلى رجل عاش بينهم و عمل معهم و عاشرهم ، وهو الرَّحَّالة المغربيُّ المسلم المعرف ( ابنُ بَطُّوطة) الذي عمل قاضياً شرعيَّا في المالديف منذ زمن بعيد .
يقول ابن بطُّوطة عنهم في كتابه ( عجائب الأسفار ) « وأهل هذه الجزائر أهلُ صلاحٍ وديانةٍ وإيمانٍ صحيحٍ ونيَّةٍ صادقَةٍ ، أكْلُهم حَلَالٌ، و دُعاؤهُم مُـجَاب.
وإذا رأى الإنسانُ أحدهم قال له : اللهُ ربي و محمدٌ نبيي وأنا أُمِّـيٌّ مِسْكِينٌ.
وَ أبْدَانُهم ضَعيفةٌ، وَ لا عَهْدَ لهَم بِالقِتَالِ وَ الـمُحَارَبة، وَ سِلَاحُهُم الدُّعَاءُ.
وَ لقَدْ أَمَرْتُ مَرَّةً بِقَطْعِ يَدِ سَارِقٍ بِهَا، فَغُشِيَ عَلى جَمَاعَةٍ مِنْهُم كَانوا بِالـمَجْلِسِ.
وَ لَا تَطْرُقُهم لُصُوصُ الهِنْد، ولا تَذْعَرُهُمْ لأنهم جَـرَّبوا أَنَّ مَنْ أَخَذَ منهم شيئاً أصابته مصيبة عاجلة.
وإذا أتى العدُوُّ إلى نَاحِيَتِهم أَخَذُوا مَنْ وَجَدُوا من غَيْرِهِم، ولم يتَعَرَّضُوا لِأَحَدٍ مِنْهم بسوء.
وإنْ أَخَذَ أَحَدُ الكُفَّارِ، وَ لَوْ لَـيْمُونةً، عَاقَبَهُ أَمِيرُ الكُفَّارِ وَ ضَرَبَهُ الضَّرْبَ الـمُـبـَرِّحَ، خوفاً من عاقبة ذلك.
ولولا هذا لكانوا أَهْوَنَ النَّاسِ عَلَى قَاصِدِهِم بِالقِتَالِ لِضَعْفِ بِنْيَتِهم.
وفي كل جزيرة من جزائرهم المساجدُ الحسنةُ ، وَ أَكْثَرُ عِمَارَتِهم بالخشب.
وهم أهل نظافة وتنزه عن الأقذار ، وأكثرهم يغتسلون مرتين في اليوم تنظفاً لشدة الـحَرِّ بها، وكثرة العَرَقِ. وَيُكْثِرونَ مِن الأَدْهَانِ العِطْرِيَّةِ كَالصَّنْدَلِية وغيرها.
وإذا لقي أحدُهُم القَاضِيَ أَو الخطيبَ ، وَضَعَ ثَوْبَه عَلَى كَتِفَيْه ، وَكَشَفَ ظَهْرَهُ، وَ مَضَى مَعَهُ كذلك، حتى يصل إلى منزله « أ . هـ كلام ابن بطُّوطة.
كَيفَ دَخلَ الإسْلامُ إلى المالديف ؟
و لِدُخول الإسلامِ إلى جُزُرِ المالديف قصَّةُ من أعجب ما أنت قارئٌ في قصص التَّاريخ الإسلامي القديم بل و الحديث أيضا ، و اللهُ أعلم بالحقائق .
و هي قصَّةُ الداعية الإسلامي المغربي الأمازيغي ( أبي البركات البربري ) الذي كان سبباً في تحول مَلِكِ الجزز و شعبِه من الكفر إلى دين الإسلام.
و على أيَّةِ حالٍ دعنا نستمع إلى ما قاله الرَّحَّالةُ المُسلمُ ( ابنُ بَطُّوطة ) في هذا الجانب .
يقول ابن بطوطة :» حدثني الثقات من أهلها – يعني المالديف - كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم، أن أهل هذه الجزائر(جزر المالديف) كانوا كفاراً، وكان يظهر لهم في كل شهر عفريتٌ من الجن، يأتي ناحيةَ البَحْرِ، كأنَّه مَرْكِبٌ مملوء بالقناديل ، وكانت عادتهم إذا رأوه، أخذوا جارية بكراً فزينوها وأدخلوها إلى (بدخانة) وهي بيت الأصنام، وكان مَبْنِيّاً على ضفة البحر ، ويتركونها هنالك ليلة، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفْتَضَّةً مَيِّتَةً.
ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم، فمن أصابته القرعة أعطى بنته ، ثم إنهم قَدِمَ عليهم مغربيٌ يُسَمَّى (بأبي البركات البربري ) ، وكان حافظاُ للقرآن العظيم، فنزل بدار عجوزٍ منهم ، فدخل عليها يوماً، وقد جَمَعَتْ أَهْلهَا، وَ هُنَّ يَبْكِين كَأَنَّهُنَّ في مَأْتَمٍ. فَاسْتَفْهَمَهُنَّ عَنْ شَأنِهنَّ، فَلَمْ يَفْهَمْنَه.
فأتى تُرْجُمانَ فَأَخْبَرَهُ أنَّ العجوزَ كانتْ القُرعَةُ عليها، وليس لها إلا بنتٌ وَاحدةٌ ، يَقْتلُهَا العِفْريتُ ، فقال لها أبو البركات: أنا أتوجه عِوَضاً من بنتك بالليل ، وكان سُنَاطاً، لا لحية له، فاحتملوه تلك الليلة، وأدخلوه إلى (بدخانة) ، وهو متوضئ. وأقام يتلو القرآن، ثم ظهر له العفريتُ ، فداوم التلاوة، فلما كان منه بحيث يسمع القراءة غاص في البحر. وأصبح المغربي، وهو يتلو على حاله.
فجاءَتِ العجوزُ وَأَهْلُهَا وأهلُ الجزيرة، ليستخرجوا البِنْتَ على عادتهم فيحرقوها، فوجدوا المغربيَّ يتلو، فمضوا به إلى ملكهم، وكان يسمى «شَنورازة « بفتح الشين ، وأعلموه بخبره، فَعَجِبَ ، وعرض المغربيُّ عليه الإسلام، ورَغَّبَهُ فِيهِ ، فقال له أقم عندنا إلى الشهر الآخر، فإن فعلت كَفِعْلِكَ، وَ نَجَوْتَ مِن العفريتِ أسلمتُ فأقام عندهم.
وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشَّهر، وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته ، ثم حُمِلَ المغْربيُّ لما دَخَلَ الشَّهْرُ إلى (بدخانة )، ولم يأت العفريت، فجعل يتلو حتى الصباح ، وجاء السلطان والناس معه فوجدوه على حاله من التلاوة، فكسَّروا الأَصنَامَ ، وهدموا ( بدخانة ) ، وأَسْلَمَ أهل الجزيرة، وبعثوا إلى سائر الجزائر فأسلم أهلُهَا ، وأقام المغربي عندهم معظماً ، وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبنى السُّلطانُ مسْجِداً ، وقرأت على مقصورة الجامع منقوشاً في الخشب أسلم السُّلطانُ ( أَحْمَدُ شَنُورَازَة ) على يد أبي (البركات البربري المغربي).
ضريح أبي البركات في المالديف.
في أحد شوارع العاصمة «ماله» الرَّاقية يرقد ( أبو البركات البربري ) في ضريح فخم يحترمه المالديفيون و يدعون له بالرَّحمة و المغفرة ، إلا أن بعض النَّاس اعتادوا الدُّخولَ إليه و الصَّلاةَ فيهِ ، فَسَارَعَت الحكومةُ بمنعهم ، و في سنة 1957 أصدرت قانونا سنة بمنع الصَّلاة فيه، حفاظاً على اعتقاد المسلمين من الإنحراف.
إرسال تعليق