مدخل.
سوء الفهم عن الله ورسوله - كما قال ابن القيم رحمه الله – هو سبب كل شر ، وله كلام نافع في هذا الصدد يقول فيه " ينبغي أن يفهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم مراده من غير غلوٍّ ولا تقصير فلا يحمل كلامه ما لا يحتمله، ولا يقصر به عن مراده وما قصده من الهدي والبيان، وقد حصل بإهمال ذلك والعدول عنه من الضلال عن الصواب ما لا يعلمه إلا الله، بل سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام بل هو أصل كل خطأ في الأصول والفروع، ولا سيما إن أضيف إليه سوء القصد.
و يمكن أن نذكر عددا على سبيل المثال من أسباب الانحرافات الفكرية و العقدية .
الفقر الشديد في ترسيخ العقيدة السليمة فالبلاد الإسلامية غالبها تعج بالمخالفات و الاعتقادات الفاسدة التي ترسخ بقوة للانحراف عن المنهج القويم.
وهذا الفقر أدى بدوره إلى تآكل في ثوابت الديانة عند كثير من المسلمين ونشأ جيل لا يفرِّق بين الصحيح و الفاسد من الاعتقاد بسبب الجهل بالكتاب و السنة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وذكر قول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:"إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية" فمن لم يعرف الجاهلية والشرك، وما عابه القرآن وذمه، وقع فيه وأقره ودعا إليه وصوبه وحسنه، وهو لا يعرف أنه الذي كان عليه أهل الجاهلية، أو نظيره، أو شر منه أو دونه؛ فتنتقض بذلك عرى الإسلام، ويعود المعروف منكرا، والمنكر معروفا، والبدعة سنة، والسنة بدعة؛ ويكفر الرجل بمحض الإيمان، وتجريد التوحيد، ويبدع بتجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم ومفارقة الأهواء والبدع. ومن له بصيرة وقلب حي، يرى دلك عيانا، والله المستعان.
العصبية الدينية و القومية الموجودة في المجتمعات فمثلا تجد الناس في مصر يتمسكون بمصطلح الفراعنة و الصوفية و الأشراف – في بلاد الصعيد – فتعصب الناس لما توارثوا أكثر مما أوحي إلى نبي الله – صلى الله عليه وسلم – فعمَّهم قوله تعالى ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) البقرة (170)
هجر كتاب الله تعالى وعدم تدبره وخاصة الغفلة عن تدبر آيات الله الكونية ، والانبهار بمعطيات الحضارة المادية ؛ حتى ظنوا أنها من مقدور البشر وحده ؛
فصاروا يُعظِّمون البشر ، ويضيفون هذه المعطيات إلى مجهوده واختراعه وحده ،
كما قال قارون من قبلُ : (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ) القصص (78)، ولم يتفكروا وينظروا في عظمة من أوجد هذه الكائنات ،
وأودعها هذه الخصائص الباهرة ، وأوجد البشر وأعطاهُ المقدرةَ على استخراج هذه الخصائص ، والانتفاع بها : قال تعالى ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [ سورة الذاريات: 20] ، وقال تعالى ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا*وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا*وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا*وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا*وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا*وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴾ [ سورة الشمس الآيات :1-6] ، وقال تعالى ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [ سورة آل عمران الآيات : 190-191 ]
وقال تعالى ﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾[ سورة الأنعام: 11 ]
وقال تعالى ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى*وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى*وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى*إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى* وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى* فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾[ سورة الليل: 1-16 ]
د- التربية تحت لواء الجماعات و المؤسسات القابلة للاختراق والتي تعمل بجد واجتهاد دون رسوخ في العلم و الدّعوة وهذا واضح جلي ، فكم من شاب ظل السنين الطوال يعمل تحت هذه الرايات الحركية و الإصلاحية دون التفات لمنهج عقدي صحيح ، فرأينا منهم من يزعم أن النَّصارى و اليهود أصحاب ديانة حقة ،و أنهم موحدون ، ومنهم من رأى حرية الإيمان بالله استدلالا ببعض النصوص التي فهمها بعقله السقيم.
ومع هذا نرى الكثير منهم يتصدى للدفاع عن اعتقاد المسلمين ويناظر أهل الالحاد و الشبهات الضالة و الله المرشد.
وسائل نشر الانحرافات .
في القديم كانت الوسيلة الفعالة لنشر البدع و الانحرافات هي المناظرات الكلامية في شكل جدلي علمي ، و الآن تعددت الوسائل التي لا يمكن حصرها منذ ظهور الوسائل الحديثة و الجامعات النظامية ونذكر منها على سبيل المثال .
المؤسسات الدينية النظامية و الأكاديمية
التي يتخفى وراءها جيل خبيث من الأفكار اللعينة وذلك لأن الأستاذ يتم اختياره وتعيينه نتيجة اختبارات تحريرية و شفوية محدودة دون النَّظر الى اعتبارات اخرى كانتمآته الفكرية واتجاهاته الدينية فبمجرد اجتياز الشروط الورقية يتم تعيينه و والله إننا لنرى العجب ، فمدرس مادة الفقه المقارن مثلا رجل مركسي شيوعي ، ومدرس مادة الأدب العربي رجل علماني ليبرالي وهلم جرا .
فكيف لا تخرج الانحرافات المهلكة من هذه الجحور المظلمة ؟!
وسائل الإعلام .
فوسائل الإعلام التي تبحث عن ازدياد عدد المشاهدين و القراء تتيح مناظرة علنية بين مجموعة من الملاحدة المشككين الذين سوّدت الشبهات كل شبر أبيض في حياتهم في مقابل مجموعة من ضعاف العقول يتصدرون للدفاع!
وهيهات فتنتهي الحلقة التليفزيونية بانتصار الملحدين وبث شبهاتهم على أعين ومسمع المشاهد الغارق في الجهل المقرون بالشهوات . فكيف لا ينحرف فكر الشباب بل و العجائز ؟!
استخدام العلماء.
ليست العلماء مطيَّة جديدة يركبها المغرضون في نشر انحرافاتهم وتلبيسهم على الناس فلم ترج بدعة المعتزلة و القول بخلق القرآن على النَّاس إلا بتلبيس ابن دؤاد و أصحابه الذين استخدمهم المأمون في امتحان الناس و نشر الفكرة.
و الأمر ذاته يحدث في واقعنا المعاصر فانتشرت الدياثة في دين الله عن طريق بدعة الإرجاء التي كان السبب في نشرها علماء هداهم الله.
الفهم الخاطئ لتجديد الخطاب الديني.
الذي تتبناه الأنظمة و الحكومات وهو نداء تستغلَّه الطوائف المنحرفة كالعلمانيين و الفاسقين لترقى سطح الدين وتتكلم وكأنها وصيةً على الإسلام وأهله ، فتسمع الدعوات لهدم المذاهب الفقهية ، و حرق كتب التراث ونقضها بحجة تجديد الخطاب .
فتبا لتجديد يمسخ قواعد الإسلام.
تقصير العلماء.
و الذي بات هذا التقصير ديدنا بحجة ظهور الفتن و وجوب الاعتزال تارة أو الخوف من الأنظمة و التيارات الخبيثة تارة أخرى.
فتملَّك الراية مجموعة من متسولي التثقيف يدافعون عنه و بقيت الساحة خالية من الرُّواد ليرتادها الضبَّان و الثعالب الليلية، على أنَّ الأمر لا يستقيم بحصر هذه الوسائل فهي لا عدد لها في ظل هيمنة مفتوحة للعالم الغربي المتسلط على مناهج وعقول المسلمين و الله المستعان.
إرسال تعليق